الموقع الجغرافي لشبه جزيرة سيناء

يُعد الموقع الجغرافي في مقدمة المقومات التي من شأنها وضع الخصائص المؤثرة بالإقليم السياسي ، ومن ثم يكون للموقع الجغرافي وزن وتقدير، فيما يتعلق بوجود الإقليم السياسي والدور الذي يسهم به بالنسبة لكيانها الذاتي من ناحية، وبالنسبة لعلاقاتها مع الأقاليم السياسية من ناحية أخرى، وكثيراً ما كان الموقع الجغرافي العنصر الأساسي في البناء الجغرافي للدولة، والذي تدين له بوجودها ونجاحها في مزاحمة جيرانها،ومع ذلك فإن قيمة الموقع الجغرافي تتغير بتغير الظروف في نواحي كثيرة (الشمري:2011،ص63).
يختلف موقع شبه جزيرة سيناء عن بقية أقاليم مصر في موضعها الطبيعي،فليس في مصر موقع له ثلاثة سواحل محيطة به، حيث وأن شبه جزيرة سيناء منفردة  بيابس مصر القاري المندمج المتواصل بدون انقطاع، وأن قناة السويس حولت السواحل الثلاثة المطلة عليها سيناء إلي ساحلين منفصلين في الشمال والجنوب إلى ساحل واحد متصل يحيط بشبه الجزيرة من جميع الجهات إلا الجهة المطلة على الحدود المصرية الفلسطينية،وسيناء هي المنطقة الوحيدة في مصر المتداخلة فيها اليابس بالماء بشدة،وهي أكثر الأقاليم جزرية وأقلها قارية، فسيناء أطول ساحل بالنسبة إلى مساحتها في مصر (أنظر جدول رقم1) (حمدان:1993،ص64) .


جدول (1)  أطوال سواحل سيناء بالنسبة للمساحة والحدود
            النسبة
         شبة جزيرة سيناء
مصــــــر
نسبة السواحل إلى المساحة
نسبة السواحل إلى الحدود البرية
نسبة السواحل والحدود إلى المساحة
700 كم:61,000كم
700 كم:380كم
1080كم:61,000كم
87:1
0,5:1

75:1
417:1
1,1:1

304,1

مصدر:(حمدان:1993،ص65)
هنا تجمع شبه جزيرة سيناء بين خصائص الموقع القاري والموقع البحري، وأن أطوال حدودها البحرية تفوق أطوال حدودها البرية القارية،إذ تمتلك سيناء واحد كيلومتر ساحلياً لكل ( 87 ) كم2 من مساحتها،مقابل واحد كيلومتر لكل ( 417 ) كم من مساحة مصر،كذلك تكاد حدود مصر البرية تعادل سواحلها طولاً ، فإن سواحل سيناء تناهز ضعف حدودها البرية،وبالتالي فإن مجموع السواحل والحدود البرية نسبت إلى مساحة سيناء.
وعلى الرغم من تلك القوة الجيوستراتيجية التي تتمتع بها شبه جزيرة سيناء إلا أن خط الساحل على البحر المتوسط يمثل نقطة ضعف في جسم سيناء ، حيث يعتبر من وجهة النظر الجيوستراتيجية ميدانا مثالياً للمهاجمة البحرية، وذلك لأن خط الساحل في سيناء يتصف بالاستقامة، وهذا يمثل حجر عثرة أمام إنشاء مراسي وقواعد بحرية كبيرة للدفاع عن الشاطئ من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن خط الساحل المستقيم لا يتيح للقوات المدافعة التصدي للقوة المهاجمة وذلك لعدم وجود خليج أو ساحل متعرج وافتقار الساحل  إلى الجروف والحوائط التي تعوق عمليات الإنزال البحري.
كما وأن عمق مياه المنطقة الساحلية في سيناء على البحر المتوسط بصفة خاصة، يعتبر عمقاً مثالياً للإنزال البحري، حيث إن خط العمق ( 10 ) م، وفي نفس الوقت يتتدرج منسوب العمق تدريجاً يسمح باستخدام المركبات والدبابات البرمائية التابعة للقوات المهاجمة بصورة أكثر أمناً وفاعلية ،وأن عدم تعرض الساحل في سيناء لتيارات بحرية وعواصف جوية عنيفة أو موجات مد وجزر بينهما فرق كبير في المنسوب، وهذا يعني إمكانية إقامة موانئ موقتة (أرصفة عائمة) على ساحل سيناء لخدمة القوات المهاجمة المتلاحقة، لكن وجود بحيرة البردويل على ساحل سيناء خفف من نقطة الضعف الجيوستراتيجية، وأضاف توازن قوة على ساحل سيناء، في أنها تقف عائقاً أمام القوة المهاجة لسيناء عن طريق الإنزال البحري.
وعلى الرغم من تميز ساحل سيناء على البحر الأحمر بالحوائط والجروف التي تعوق عمليات الحركة العسكرية، إلا أن وقوع الكيان الصهيوني كقوة معادية، يجعل مسألة الضغط علي الساحل من كلا الجانبين أمراً ليس بالهين.
تقع شبه جزيرة سيناء شمال شرق مصر أي في أقصي شمال شرق القارة الأفريقية،وبالتالي فهي تعتبر همزة الوصل في وسط القارتين أفريقيا وأسيا،ومن أهم المعالم التي ترتبط بموقعها:
أولاً:  الحدود البحرية:
للموقع الساحلي في الدولة أهميتين: غناها الاقتصادي واحتكاكها الحضاري،وبالتالي قوتها وتقدمها، فوقوع الدولة على البحر يشجعها على البحث عن أهم الثروات التمثلة في : البترول ، والغاز، والمعادن ، ووسائل النقل ، إضافة إلى أن البحر يسهل عملية الإحتكاك الحضاري ، ويؤثر الموقع الساحلي البحري في قوة اقتصاد الدولةوالدور الذي تلعبه ومصالحها ، وكل تلك العوامل تؤثر في الجغرافيا السياسية (الشمري:2011،ص46)، وشبه جزيرة سيناء تطل على ساحلين لبحرين مهمين في خارطة العالم السياسية هما:
1- البحر التوسط: يحد سيناء من الشمال، ويبلغ طول خط الساحل لسيناء ( 210 ) كم من مجموع ( 2400 ) كم من سواحل مصر،ويمتد من بالوظة غرباً وحتي مدينة رفح شرقاً ويتكون من مياه ضحلة بفعل تراكم إرسابات دلتا النيل المحمولة شرقاً عبر تيارت البحر المتوسط ، ويبرز ساحل سيناء الشمالي منخفضاً رملياً ، بحيث يكاد أن يكون ساحلاً نيلياً بدرجة أو بأخرى مما أعطى الساحل طابعاً ضحلاً ، ويوجد على ساحل سيناء عدد من الموانئ الإستراتيجية ذات الطابع الاقتصادي،والسياسي فضلاً عن أهميتها الملاحية التي تربطها بالعالم، والتي لها الأهمية الاستراتيجية والعسكرية،ومن أهم هذه الموانئ : ميناء العريش،وميناء شرق بورسعيد(الهيئة العامة للتخطيط العمراني:2008،ص163).
2- خليج السويس: يحد سيناء الجنوبية من الغرب، وطوله من مدينة السويس حتى رأس محمد نحو ( 241 ) كم، وعرضه يتراوح بين ( 16 ) كم و( 29 ) كم ،ومن أشهر موانئه على شاطئ سيناء مبتدئاً من الشمال: ميناء عيون موسى، وميناء ملعب، وميناء أبو زنيمة، وميناء أبو رديس(يونس:2006،ص187).
3- خليج العقبة: ويحد سيناء الجنوبية من الشرق، وطوله من رأس محمد إلى قلعة العقبة نحو (150) كم،ويتراوح عرضه بين(11) كم و(22) كم(شقير:1991،ص10-11).
4-  مضيق تيران: وهو عبارة عن مجموعة من الشعب المرجانية التي تقسم المضيق إلى ممرين : ممر شرقي يسمى ممر( جرافتون) الذي يبلغ عرضه نحو ( 87 ) موتصعب فيه الملاحة، وممر غربي  يفصل بين الشعب المرجانية والساحل المصري في شبه جزيرة سيناء ، فيطلق عليه ممر (الأنترابرايز) الذي يبلغ عرضه نحو(1190 ) م، وهو المستخدم في العبور إلى خليج العقبة،ولكن ما يصلح منه للملاحة لا يتجاوز عن ( 500 ) م، متمثلاً في الجزء الملاصق للساحل المصري  لشبه جزيرة سيناء، وعلى الشاطئ الغربي لمضيق تيران(رأس محمد ) في سيناء وإلى الشمال منه بنحو (12) كم، يقع مرسى شرم الشيخ الذي يتحكم في مدخل خليج العقبة (هارون:2003،ص148).
        ومضيق تيران كان ولازال يعد بؤرة الصدام بين المصالح العربية (مصر والسعودية والأردن) من جانب وبين ( الكيان الصهيوني ) من جانب آخر، وهذا الصدام في المصالح يتمثل في حرص الدول العربية على فرض الرقابة على المضيق الجيوستراتيجي ،وعدم السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور عبر هذا المضيق حتى تستطيع الوصول إلى البحر الأحمر،ومنه إلى العالم الخارجي لاستيراد البترول وإنعاش التجارة ورفع مستوى ميناء إيلات البحري (هارون:2003،ص150) .
ثانياً: الحدود البرية :
        تشترك شبه جزيرة سيناء في حدودها البرية مع فلسطين، حيث يبلغ أطوال حدودها  من جهة الكيان الصهيوني بحوالي (206) كم، ويبلغ أطوال حدودها من جهة قطاع غزة بحوالي ( 12,6) كم ليبلغ إجمالي حدودها البرية ( 218,6 ) كم، وقد تحددت بدقة بموجب اتفاقية عام 1906م بين مصر والدولة العثمانية، وهو الحد الممتد من العقبة على رأس خليج العقبة، ورفح علي البحر المتوسط وهو الحد الشرقي لسيناء، وبهذا الموضع لشبه جزيرة سيناء يُحدد الثقل الجيوستراتيجي، نظراً لموقعها المتحكم والمسيطر على خريطة التوازن الإقليمي والدولي،وهي بذلك الموقع الجيوستراتيجي تطل على دول ذات وزن سياسي ودولي مثل فلسطين والأردن والسعودية والكيان الصهيوني.
1-   مساحة شبه جزيرة سيناء:
    لا شك أن المساحة التي تشغلها الدولة لها كبير الأثر في القيمة السياسية لها، أي أن هناك علاقة بين المساحة والقوة وهي غالباً ما تكون طردية، ويوجد اختلاف في مساحات الوحدات السياسية ؛ فالمساحة الكبيرة تعطي الإقليم مميزات هائلة، فمن المحتمل توافر الموارد الطبيعية والمعدنية والنباتية والبشرية في الأقاليم ذات المساحة الكبيرة أكثر منه في الأقاليم القزمية، كمان أن الأقاليم الكبيرة من الممكن أن تتحمل عدد سكان أكبر بالقياس مع الأقاليم القزمية التي لا تستطيع تحمل سكان فوق طاقتها الاعتيادية، وبطبيعة الحال لتوفير الموارد الطبيعية والبشرية قيمة كبيرة في مصدر قوة الوحدة السياسية وثرائها،هذا بإضافة إلي التقدم العلمي ومدي استخدام الشعب والدولة لهذا التقدم في استقلال بيئتهم (خلة:2000،ص13) .
وتبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء نحو ( 61,000 ) كم2 بما يعادل نحو ( 6 ) % من مساحة الأراضي المصرية (1,002 ) مليون كم2 ، وفي تأثر الوزن السياسي بالمساحة التي تشغلها شبه جزيرة سيناء التي منحت لها إمكانيات اقتصادية وسياسية وعسكرية،وتوفر العمق الجغرافي لسيناء، حيث أن العمق الجغرافي في سيناء من رأس محمد إلى البحر المتوسط يعادل (390)كم، وعرض العمق الجغرافي فيما بين مدينة العقبة ومدينة السويس حوالي ( 210 ) كم، (إبراهيم:2011،ص95) ، مما أضاف إلى سيناء عمقاً جغرافياً استراتيجياً، في نفس الوقت الذي تتميز فيه هذه المنطقة بوعورة سطحها وعدم استوائهالأمر الذي من شأنه إعاقة مهمة المهاجمة، ويسهل مهمة الدفاع، وهنا يبرز أهمية موقع شبه جزيرة سيناء في الدفاع عن أرض مصر.
5- الشكل:
يعتبر شكل الدولة أو الوحدة السياسية مثالياً إذا كانت جميع أطرافها على أبعاد متساوية تقريباً من مركزها الهندسي،ويعتبر الشكل الدائري أو المربع من أفضل الأشكال الهندسية  من وجهة نظر الجغرافيا السياسية، وأن تكون أطوال حدودها قصيرة مقارنة مع مركزها هذا من شأنه أن يقلل من عدد المواضع التي من المحتمل أن تغزي منها الوحدة السياسية، كما يصبح بإمكان الدولة حماية حدودها والدفاع عنها ،كما وأن الشكل المندمج يوفر لجيوش الدولة المساحة الكافية التي من الممكن أن تتقهقر إليها إذا استدعت الظروف، وفي أوقات السلم تسهل حركة النقل والتجارة في الدولة ذات الشكل المثالي،وتساعد على سرعة نقل الجيوش والمعدات إلى أي موقع في الدولة يتعرض للغزو الخارجي (هارون:2003،ص106).
ويبدو أن شكل سيناء على الخريطة كمثلث منتظم بدرجة أو بأخرى، أدى إلى ارتفاعه عند  رأس محمد بحوالي ( 380 - 390) كم، ويتراوح عرضه مابين منطقتي السويس والعقبة بنحو(210) كم(حمدان:1993:ص59) ، ولعل الأدق قول: أنها على شكل مثلث قليل الميل إلى الجنوب، يرتكز على قاعدة عريضة كالمستطيل في الشمال،تقع أضلاعه على قناة السويس غرباً، والحدود السياسية الفلسطينية ،ثم ساحل البحر المتوسط شمالاً، ويأتي في النهاية الخط المائل بين رأس ليجي السويس والعقبة جنوباً، أما المثلث الجنوبي  يبدأ عند رأسه رأس محمد جنوب دائرة عرض ( 28 ) درجة ، وارتفاعه يقدر بنحو (230) م ،وضلعاه خليج السويس(160) كم ، والعقبة(150) كم (حمدان:1993،ص61) .
وبهذا الشكل تبدو سيناء بكتلتها المندمجة، ذات شكل إستراتيجي مناسب ، وأن شكلها يعطيها قوة جيوستراتيجية في حالة السلم بالوصول إلى مركزها بيسر، وفي حالة الحرب تكون مصدر قوة يمكن الجيش من المناورة بها وإيصال الإمدادات لها بسهولة،إذن فشبه جزيرة سيناء ذات شكل مندمج جيوستراتيجي وموقع وموضع يحرك موازين القوة لصالحها